التعصب أخطر أمراض العصر
في إحصائيات عديدة ومتكررة قامت بها بعض المراكز والهيئات العلمية، اتضح أن التعصب هو أخطر أمراض العصر، وأن ضحاياه أكثر بما لا يقاس من ضحايا الأمراض الخطيرة التي يعانيها العالم. وإذا كانت الأمراض الخطيرة تفتك بالأجساد، فإن هذا المرض الأخطر يفتك بالأرواح والضمائر، ويتحول ضحاياه الى قنابل تدميرية تفتك بالمخالفين في الرأي، وإن كانوا من أبناء وطن واحد ومن أتباع ملة واحدة، وهو بذلك يرتقي ليكون الداء الأول الذي ينشب أظفاره في واقع الحياة والبشر.
أزعم أن العالم كله، وليس العرب والمسلمين وحدهم، حالة استثنائية من فقدان الطمأنينة. والسببُ في ذلك واحد ووحيد، وهو التعصب، هذا الداء الفتاك الذي يضرب في كيان البشرية ويمنعها من التعايش في أمن وسلام. وإذا استشرى التعصب في زاوية من زوايا العالم، ولم يهتم العقلاء بإطفاء حرائقه التي تبدأ صغيرة، فإنها لن تلبث أن تنتشر ويتسع نطاق ضحاياها. ولم تكن الأديان كما يظن البعض مصدر التعصب بين معتنقيها، ولا السبب في الاختلافات المؤدية الى الحروب المعلنة وغير المعلنة، ولا المذاهب المتفرعة من هذه الأديان هي السبب أيضاً في زمن يخترع كل يوم أسباباً للخلافات والتحزبات والتعصب. فالسياسة وقد كانت اختياراً حراً وانتماءً شخصياً، تحولت في الوقت الراهن الى مصدر من مصادر التعصب الذي يؤدي الى الاقتتال اليومي.. والاقتصاد وهو عصب الحياة كما يقولون كان وسيبقى واحداً من أهم مسببات التعصب النظري والعملي.
ولو تجنبنا حديث الأديان، ووضعنا السياسة جانباً، والاقتصاد جانباً، فسوف نكتشف مصادر أخرى لا تنتهي عند التعصب، وافتعال الخلافات داخل البلد الواحد والثقافة الواحدة، فهناك تعصب مناطقي، وتعصب آخر لبعض الفنون والأطعمة، أو الملابس، أو أشكال الكتابة، أو التعصب الكروي... الى آخر السلسلة الطويلة من أنواع التعصب، الذي تتحول معه الأوطان الى بؤرة خلاف واختلاف. والذين يظنون أن التعصب لهذه الأشياء الصغيرة غير مهم وغير ضار، ولا يشكل مخاطر يعانيها الواقع، واهمون، فكل شكل من أشكال التعصب ينمي في روح الفرد حالة من العداء ويجعل التعايش، أو على الأقل التفاهم مستحيلاً. والتعصب في كل حالاته، وفي جميع صورة وأشكاله دليل الفشل، وعلامة من علامات غياب الوعي والإيمان الحقيقي بضرورة أن يتقبل بعضنا بعضاً، وأن يكون هناك قاسم مشترك يوحد بين المختلفين تجاه بعض القضايا، والأمور التي لا ضرر من التسامح تجاهها، وتقبل العذر لمن يراها صواباً وإن كانت ليست كذلك من وجهة النظر الأخرى. لقد استطاع العصر الحديث بمخترعاته، وبما نشرته وسائل التوصيل الحديثة من أفكار وسياسيات أن يخلق حالة من التشويش والاضطراب في جميع أنحاء العالم، وأن يضاعف من حساسيات الاختلاف غير الواعي وغير المنطقي، وما يترتب على ذلك من تعصب مبالغ فيه ترافقه حالة من عدم الإيمان بالقيم الروحية التي تضع حدوداً للاختلاف وحدوداً للثغرات، والأدهى والأمر من ذلك، بالنسبة لنا نحن العرب، أننا ابتعدنا ونبتعد كل يوم عن الأخذ بأسباب التقدم والنهوض العلمي والصناعي، وأن التعصب للأمور الصغيرة والثانوية قد أكل أوقاتنا وجعلنا نموذجاً للعجز عن حل أبسط المشكلات. ومع التراكم المخزي للخلافات وغياب أي إنجاز حقيقي في الواقع تدهور مستوى الحياة، وغابت الحكمة وافتقدنا القاسم المشترك، وأصبح كل فرد منا بتعصبه وانحيازه الى أفكاره الخاصة جزيرة منفردة تدور في فلك الإحباط، والتخبط، والبحث عن الذات في المكان الخطأ وبالأسلوب الخطأ.
تعبت ............. واتمنى ردوووود ............ حـلـوة